جرش الغسانية المسيحية حوالي 324-636م

جرش الغسانية المسيحية حوالي 324-636م:
بعد ان اتخذ الإمبراطور قسطنطين المسيحية ديانة رسمية للإمبراطورية الرومانية، ونقل عاصمته من روما الى القسطنطينية (بيزنطة) ، انتشرت الديانة المسيحية في الدول المجاورة لشرق المتوسط، وبحلول منتصف القرن الخامس ازدهرت المسيحية نتيجة الامن والاستقرار وهذا ما تعكسه الكنائس الكثيرة التي بنيت في جرش في هذه الفترة ،وشارك مطران جرش في مجمع سلوقيا عام 359م، ومجمع خلقيدونيا عام 451م. واصبحت جرش ضمن خارطة الدولة البيزنطية المسيحية ، وشهدت المدن حالة من  الازدهار وحظيت بمكانة كبيرة  تمثل في انشاء العديد من الكنائس داخل سور المدينة ،  واقام المسيحيون صلواتهم في الكنائس التي  وصل عددها  15 كنيسة تزين ارضياتها فسيفساء ملونة،  كما انشئ العديد من الكنائس خارج أسوار المدينة ، كشفتها المسوحات والتنقيبات الأثرية،  مثل كنيسة  وادي الدير، السبطه، قرمل، زقريط ......الخ . وكشفت التنقيبات الأثرية أيضا عن لعديد من القبور ت التي ترجع للعصر البيزنطي في مواقع مختلفة من المحافظة في وادي الدير وفي ساكب وغيرها  ، وأهم هذه الاكتشافات التابوت المصنوع من الرصاص وعليه زخارف آدمية ونباتية في غاية الروعة والجمال عثر عليه في وادي الدير، واتخذت الكنائس انماطا معمارية مختلفة منها: كنائس أنشئت وفق المخطط البازيليكي وقوام تخطيطه بناء مستطيل الشكل يمتد طوليا من الشرق الى الغرب مقسم الى رواقين من الأعمدة  والدعامات ،  يفضي الى صالة وسطى وجناحين شمالي وجنوبي واحيانا الى أربعة اجنحة، ومثال ذلك: كنيسة الاسقف جنيسيوس، كنيسة الكنيس، كنيسة الجسر، كنيسة القديسين بطرس وبولص، وكنيسة بروكوبيوس، وكنيسة الاسقف اشعيا،والكنيسة الكاتدرائية، وكنيسة القديس ثيودر، وكنيسة القديس جاورجيوس،وكنيسة القديسين كوزمس ودميان، اما النمط الثاني فهو كنائس القاعة ، وقوام تخطيطها بناء مستطيل الشكل يتألف من صالة واحدة ومثال ذلك: كنيسة الدفن، وكنيسة الاسقف ماريانوس، وكنائس وفق مخطط مركزي وقوام تخطيطه بناء يتمحور حول نقطة مركزية منها على تخطيط شكل صليب داخل مربع، ومنها دائري داخل مربع، ومنها مثمن داخل مربع، مثل كنيسة الانبياء والرسل والشهداء، وكنيسة يوحنا المعمدان.

1-    الكاتدرائية :

مخطط لكنيسة الكاتدرائية بتصرف من رنده قاقيش، عمارة الكنائس وملحقاتها في الاردن،ص،26

تقع الكاتدرائية في شارع الكاردو والوصول إليها عبر مدخل ضخم مزخرف بزخارف منحوتة ، وربما كان المدخل لمعبد إله الخمر ديونيسوس، في القرن الثاني الميلادي، يرى بعض الباحثين ان الكاتدرائية من اول الابنية المسيحية في جرش ،بنيت وفق نمط معماري بمخطط بازيليكي وقوام تخطيطه صالة وسطى مستطيلة الشكل ابعادها 36× 18 متر وعلى جانبيها جناحان شمالي وآخر جنوبي ، يفصل الصالة عن كل جناح صفين من الاعمدة  في كل صف 12 عمود الحق في البناء ساحة سماوية ، وتضم حوض ماء ، يشغل جدار الكاتدرائية  الغربي ثلاثة مداخل ،وكذلك الجنوبي اما الجدار الشمالي فيشغله أربعة مداخل. 
أظهرت التنقيبات الاثرية تحت ارضيات الكنيسة ، عن  دلائل اثرية تشير إلى وجود ابنية أقدم من البناء موضوع البحث تعرضت للهدم  ، وقد تم تمهيدها قبل بناء الكنيسة .
 هناك اختلاف حول تأريخ المبنى، حيث اتجه البعض إلى تأريخها إلى نهاية القرن الرابع الميلادي  اعتمادا على حوض الماء الموجود بالساحة ، والذي ذكره اسقف سلامس ابيفانوس في كتابه الذي كتب عام 376 ميلادي، في سياق حديثه عن الاحتفال بأعجوبة "قانا الجليل " الذي أقيم في جرش،  بينما خالف هذا الرأي باحثين اخرين، معتمدين في ذلك على الادلة الاثرية المكتشفة،  واقترحوا تأريخ جديد للكاتدرائية  إلى نهاية القرن الخامس، وبداية القرن السادس الميلاديين. ويقع إلى الشرق من الكاتدرائية مزار القديسة السيدة مريم، وعليه كتابات تشير إلى العذراء والملاكين الحارسين ميخائيل، وجبرائيل.

2-كنيسة القديس اشعيا 558-749 ميلادي:

مخطط افقي لكنيسة القديس اشعيا، بتصرف من الدكتور جاك سينيه ،البعثة الفرنسية للتنقيب عن الاثار وصيانتها في جرش (المعهد الفرنسي للاثار Ifpo)

اكتشفت الكنيسة عام 1983م  وبنيت وفق التخطيط البازيليكي، وقوام تخطيطها بناء مستطيل الشكل ابعاده 25 ×16 متر يتألف من صاله وسطى ،وجناحين شمالي ، وآخر جنوبي ،يفصل بينهما صفان من الاعمدة،  في كل صف خمسة اعمده، تحمل اقواس نصف دائرية ،يتصدر الهيكل ثلاثة محاريب على شكل نصف دائري، تزين أرضية الكنيسة فسيفساء ملونة ، تحمل زخارف هندسية ونباتية، وحيوانية تعرضت التصاوير الآدمية والحيوانية للتدمير ابان " حرب الايقونات "  في القرن الثامن الميلادي. بنيت الكنيسة من حجارة ضخمة ، يبدو أنها نقلت من ابنية رومانية اعيد استخدامها استخداماً ثانوياً.

3-كنيسة القديسين بطرس وبولص 601 - 749 ميلادي:

مخطط كنيسة القديس بولص وبطرس، بتصرف من الدكتور جاك سينيه ،البعثة الفرنسية للتنقيب عن الاثار وصيانتها في جرش (المعهد الفرنسي للاثار Ifpo)

بنيت الكنيسة ذات الممرين، وفق التخطيط البازيليكي، وقوام تخطيطها بناء مستطيل الشكل ابعاده 30×16  متر يتألف من صالة وسطى ،وجناحين شمالي ، واخر جنوبي، يفصل بينهما صفين من الاعمدة في كل صف ثمانية اعمدة، تحمل اقواس نصف دائرية، يتصدر الهيكل ثلاث محاريب على شكل نصف دائري، تزين أرضية الكنيسة فسيفساء ملونة ، تحمل زخارف هندسية ونباتية ، وتصاوير لمدن مصرية كممفيس والإسكندرية ،  وكتابيه باللغة اليونانية تشير إلى القديسين  ، ودعاء بأسلوب أدبي مانصه " أيتها الفسيفساء من قدّمكِ؟هو الذي مول البناء ، من هو الراعي صاحب الصورة ولمن تسطع هذه التحف  إن اسمه انسطازيوس" ، وأيضا حيوانية ، وقد  تعرضت التصاوير الآدمية والحيوانية للتدمير ابان  "حرب الايقونات"  في القرن الثامن الميلادي. بنيت الكنيسة من حجارة ضخمة يبدو أنها نقلت من ابنية رومانية اعيد استخدامها استخداماً ثانوياً.

4- كنيسة القديس جاورجيوس 529- 749 ميلادي:

مخطط القديس جاورجيوس، بتصرف من الدكتور جاك سينيه ،البعثة الفرنسية للتنقيب عن الاثار وصيانتها في جرش (المعهد الفرنسي للاثار Ifpo)

الكنيسة جزء من مجمع كنسي، يضم ثلاث كنائس متلاصقة، انشئت بين الأعوام 529-530  وهذه الكنائس بنيت للقديسين كوزموس ودميان، ويوحنا المعمدان، وجميعها  متماثلة ، ويتألف بناء الكنائس الثلاث من ثلاثة صالات على شكل مستطيل ، ويفصل كل صالة صفان من الاعمدة، في كل صف ثلاث اعمدة ،تحمل اقواس نصف دائرية ، وتزين أرضية الكنيسة زخارف هندسية، ونباتية وتصاوير تعرضت إلى التدمير في حرب الأيقونات  في القرن الثامن الميلادي، وزخارف كتابية باللغة اليونانية، وهي كتابة الاهداء والتكريس ما نصه :  " في عهد الأسقف بولس الورع وحبيب الله زين معبد القديس جاورجيوس بالفسيفساء  بتقدمة مَن انت يارب تعرف اسمه ،  ولمغفرة الخطايا الاندكتي الثامنه  592" وحسب التاريخ البومبيائي تؤرخ الكنيسة إلى 529-530 ميلادي.

5- كنيسة يوحنا المعمدان 531-749 ميلادي:

مخطط كنيسة يوحنا المعمدان، بتصرف من الدكتور جاك سينيه ،البعثة الفرنسية للتنقيب عن الاثار وصيانتها في جرش (المعهد الفرنسي للاثار Ifpo)

كما ذكرت سابقا فإن كنيسة يوحنا المعمدان،بنيت ضمن مجمع كنسي ضم ثلاثة كنائس ؛ وهي كنيسة جاورجيوس، وكوزموس ودميانوس. والكنيسة موضوع البحث بنيت وفق تخطيط قوامه مخطط مركزي يتألف من صالة وسطى مستديرة داخل مربع، وفي الزوايا محاريب شبه دائرية، ويحمل السقف اربع اعمدة تتشارك الكنيسة مع كنائس المجمع بمكان المعمودية الذي كان بالأصل في كنيسة القديس ثيودور ونقل إلى الكنيسة، وتزين أرضية الكنيسة زخارف هندسية ونباتية و كتابات يونانية تصور الحج المسيحي في مصر حددت فيها مراكز الحج كممفيس، الإسكندرية ، كانوس (ابوقير)، ومنوثس.

6- كنيسة الموتى(الدفن) 600-749 ميلادي:

مخطط كنيسة الموتى(الدفن)، بتصرف من الدكتور جاك سينيه ،البعثة الفرنسية للتنقيب عن الاثار وصيانتها في جرش (المعهد الفرنسي للاثار Ifpo)

بنيت الكنيسة وفق نمط معماري قوام تخطيطه قاعة واحدة ابعادها 21×6متر  ومحرابها نصف دائري، ترتكز الكنيسة على منحدر صخري حاد، عند حافتها الخلفية،  وقد سميت الكنيسة بهذا الاسم بسبب وجود كهف منحوت يوصل اليه من الطرف الجنوبي لصحن الكنيسة، اعتبر المنقبون وجوده كقبر وقبور اخرى، الا ان المعطيات الاثرية لا تشير إلى أن الكهف كان مدفناً قديماً، ومما تجدر الإشارة  اليه ان مدير الآثار الانجليزي ايام الانتداب جيرالد لانكستر هاردنج (1901-1979 ) ، أوصى ان يدفن في هذا الموقع عند وفاته،ونقل رماد رفاته وحفظ بالموقع عام 1982 ميلادي،  ويبدو ان  الكنيسة تعرضت لأعمال تجديد واعادة بناء في فترات لاحقة في القرن السابع الميلادي على ابعد تقدير، تزين أرضية الكنيسة زخارف هندسية، ونباتية،وكتابية تشير إلى شخص غير مذكور اسمه بناها لذكرى والديه.
اما الكنائس الأخرى من رقم 7 الى رقم 15  ؛ وهي كنيسة جينيسيوس 610-611 م ، وكنيسة الكنيس530-531 م، وكنيسة الجسر 565م، وكنيسة  بروكبيوس526 م، وكنيسة ثيودور 496 م، وكنيسة كوزموس ودميانوس533 م، وكنيسة ماريانوس570 م، وكنيسة المصلى إيليا ، وسوريج التي تعرضت أرضيتها الفسيفسائية  للتدمير، ابان حرب الايقونات في القرن الثامن الميلادي، ولم تسلم الا بعض الكتابات فيها ، وهي  تضم  اسماء المتبرعين مثل: ايليا،وماري ،وسوريج،  وأسماء الاشهر المقدونية، ويستدل من تواريخ بناء هذه الكنائس انها بنيت ما بين القرنين الخامس إلى السادس الميلاديين ، وهناك اعمار للكنائس تم في زمن صدر الإسلام،  ايام الفتوحات الاسلامية ،وفي العصر الأموي ، مما يدل على التسامح الديني الذي تحلى به المسلمون ، بحيث تركوا الناس احرارا في ممارسة عباداتهم دون اكراه بالدين، وكما ان هذه الكنائس مازالت تحتفظ بترا ث معماري في البناء من حيث التخطيط، والتزيين، يعكس التقاليد المعمارية البيزنطية، التي سادت بعد أن أصبحت الديانة المسيحية دين الدولة الرسمي .