جرش بعد سقوط الدولة العباسية:
استمرت تبعية كورة جرش لجند الأردن وعاصمته طبريا "الذي ضم كور صور، عكا، بيسان، فحلْ، جرش والسواد، وظهر مصطلح جغرافي إداري جديد وهو سواد الأردن تمييزاً له عن أرض السواد في العراق، وابتداءً من القرن الثالث الهجري/ التاسع الميلادي انعكس ضعف الخلافة العباسية في المركز، وهيمنة الجند الأتراك على مقدراتها، وتراخت قبضة الخلافة على ولاياتها في الأطراف، وانتقلت مقاليد السلطة للكيانات الإقليمية التي نشأت في مصر ومدت سيطرتها على بلاد الشام، كالطولونيون (254-292ه/868-905م) والأخشيديون (323-358ه/934-968م) الذين استقلوا بها فعلياً، مع بقاء التبعية الاسمية للخلافة العباسية في بغداد، ثم خضعت منطقة بلاد الشام لسيطرة الفاطميين والصراع الذي نشب بينهم وبين القبائل العربية، وبروز خطر القرامطة وسيطرتهم على مناطق واسعة من بلاد الشام. وبلغ الصراع أشده بين ولاة الفاطميين في دمشق والقبائل العربية التي هيمنت على جنوب بلاد الشام، وعلى رأسها قبيلة كلب، وانعكس ذلك سلباً على تدهور الأوضاع الاقتصادية، وبسط الكلبيين سيطرتهم على المنطقة سنة 457ه/1064م، وعم الخراب الذي ضرب جنوب بلاد الشام سنة 459ه/1066م، و أسهم بدور كبير في تراجع السلطة الفاطمية في بلاد الشام، ومع سيطرة السلاجقة الأتراك على بلاد الشام في النصف الثاني من القرن الخامس الهجري/ الحادي عشر الميلادي، أصبحت الأجزاء الشمالية من بلاد الشام تابعة للسلاجقة، في حين بقيت الأجزاء الجنوبية تابعة اسمياً للفاطميين، وتدريجياً أخضع السلاجقة دمشق وجنوب بلاد الشام، وأصبحت الأجزاء الجنوبية الغربية (فلسطين) والجنوبية الشرقية (شرق الأردن) من جنوب بلاد الشام تخضع لسيطرة الإمارة الطائية التي تزعمتها قبيلة طيء العربية .
وفي أواخر القرن الخامس الهجري/ الحادي عشر الميلادي تنامى التهديد الخارجي المتمثل بالغزو الفرنجي الذي اجتاح شمال بلاد الشام ابتداءً من عام 490ه/1096م، وتأسيس إمارات فرنجية في الرها وأنطاكية، ثم مملكة بيت المقدس الفرنجية ابتداءً من سنة 492ه/1098م، وابتداءً من عام 493ه/1099م أصبحت منطقة جرش ضمن الحدود الإدارية لمملكة بيت المقدس الفرنجية، حيث احتل الأمير الفرنجي تنكريد (Tancred) عجلون وضمها لمنطقة الجليل الواقعة تحت سلطته، وضمت مملكة بيت المقدس خلال الربع الأول من تأسيسها ، المنطقة الجغرافية الممتدة من الساحل الجنوبي لبلاد الشام غرباً إلى طبقة فحل وجرش وعمان شرقاً وصولاً إلى مؤاب (الكرك)، وامتدت من بيروت شمالاً إلى أيلة (العقبة) جنوباً.
ومع انتقال السلطة في دمشق للأتابك ظهير الدين طغتكين (497-522ه/1103-1128م) يذكر المؤرخ اللاتيني وليم الصوري (Willian of tyre) أن طغتكين بنى حصناً ضمن هيكل أرتميس في جرش، لكن الملك الفرنجي بلدوين الثاني (BaldwinII) ملك مملكة بيت المقدس (1118-1131م) احتل هذا الحصن سنة 514ه/1121م في طريقه ، لمحاولة احتلال مدينة دمشق، غير أن محاولته تلك فشلت بسبب صعوبة التضاريس، وصعوبة وصول الإمدادات والمدد البشري من القدس، إلى جانب ضراوة المقاومة السلجوقية، مما اضطره إلى الانسحاب والعودة إلى القدس، وأخلى حصن جرش وأشعل فيه النار، ودمره تدميراً كاملاً عام 514هـ / 1121 م ،وبقيت منطقة سواد الأردن ساحة صراع بين السلاجقة والأتابكة من بعدهم وبين الفرنجة، وكانت الهيمنة الفعلية عليها للقبائل العربية، وتم الاتفاق على أن تكون ضمن" بلاد المناصفات " التي تدار إدارة ثلاثية، وتقسيم غلتها إلى ثلاثة أقسام بالتساوي بين أتابكية دمشق ،ومملكة بيت المقدس الفرنجية، والسكان المحليين، واستمر هذا الاتفاق بحكم العلاقة بين الأطراف المتنازعة حتى استقرت السلطة في بلاد الشام بيد نور الدين محمود زنكي.