جرش في العهدين الأيوبي والمملوكي :
وازدهرت منطقة جرش ومحيطها في العصرين الأيوبي (567-648ه/1171-1250م) والمملوكي (648-923ه/1250-1517م) لموقعها على طرق المواصلات والتجارة التي تربط بين جناحي الدولة مصر وبلاد الشام، إضافة إلى موقعها على طريق قافلة الحج الشامي إلى الأماكن المقدسة في الحجاز، وغزارة إنتاجها الزراعي، لذا أنشئت محطات لطرق البريد وخانات للمسافرين والتجار، وكانت تتبع في العصر المملوكي لنيابة عجلون التي ضمت شمال ووسط الأردن (عجلون، البلقاء، الأغوار)، في حين خضعت الأجزاء الجنوبية من شرق الأردن لنيابة الكرك، وتدل الشواهد الأثرية التي تعود لذلك العصر على أن قرى جرش كانت عامرة مأهولة بالسكان، وحظيت باهتمام سلاطين المماليك، وأنشئت العديد من العمائر المملوكية ومن بينها المساجد، مثل مسجد بلدة ريمون الذي يُعد من أقدم المساجد الأثرية في الأردن، إذ يعود تاريخ إنشاؤه للعصر الأيوبي، وطرأت عليه زيادات في العصر المملوكي في عهد السلطان الظاهر بيبرس (658-676ه/1260-1277م) على يد نائب دمشق الأمير أيدمر الظاهري، وتمت عمارته في عهد الأمير ناصر الدين منلكي عام 676ه/1277م.
وتشير القرائن التاريخية أن مدينة جرش الأثرية استمرت مأهولة إلى القرن الخامس الهجري/ الحادي عشر الميلادي، غير أنها هجرت لما لحقها من دمار بصورة نهائية بفعل الزلازل التي ضربت جنوب بلاد الشام، واستمرت مهجورة حتى أواخر السبعينيات من القرن التاسع عشر الميلادي، والشاهد على ذلك وصف الجغرافيين المسلمين لها فقد وصفها ياقوت الحموي في أواخر القرن السادس الهجري/ الثاني عشر الميلادي نقلاً عن شاهد عيان – بقوله: "جرش مدينة عظيمة، لكنها الآن خراب، وبها آثار عادية تدل على عظمتها، وفي وسطها نهر جار يدير عدة رحى (طواحين) عامرة، وهي شرق جبل السواد من أراضي البلقاء وحوران، من عمل دمشق، وهي تشتمل على ضياع وقرى يقال للجميع جبل جرش، ويخالط هذا الجبل جبل عوف، وإليه ينسب حمى جرش".
وليس هذا الوصف ببعيد عن وصف شيخ الربوة الدمشقي (ت727ه/1326م) في مطلع القرن الثامن الهجري/ الرابع عشر الميلادي في كتابه "نخبة الدهر في عجائب البر والبحر" الذي أكد بأنها خراب وغير مأهولة، كما ذكرها ابن فضل الله العمري (ت749ه/1348م) في كتابه "مسالك الأبصار في ممالك الأمصار" وأكد بأنها من بلاد حوران "يحكى الهول من غرائب آثارها، وقد أضحت خاوية على عروشها، خالية من أهلها وسكانها، لا يحس فيها حسيس، ولا يوجد فيها أنيس".