جرش وقراها في النصف الثاني من القرن التاسع عشر الميلادي

جرش وقراها في النصف الثاني من القرن التاسع عشر الميلادي:
تقع منطقة المعراض في الجهة الجنوبية من قضاء عجلون، وتتداخل حدودها مع حدود جبل عجلون حتى أنهما يذكران معاً باسم "جبل عجلون والمعراض" إلا أن قمة "جبل إلياس" هو الحد الفاصل إلى الشمال والغرب، فتكون منطقة المعراض هي السفوح الجنوبية والشرقية لجبل عجلون.

وكانت قرية سوف في مطلع القرن التاسع عشر هي القرية الرئيسية في ناحية المعراض ومقر إقامة شيخ الناحية، الذي يتبع بدوره إلى زعامة الفريحات في ناحية كفرنجة. وتضم قرية سوف في العام 1821م ما بين (40-50) منزلاً، وعدد سكانها حوالي خمسمائة نسمة، ويزرع سكانها أراضيهم بالقمح، وتكثر فيها أشجار الزيتون والكرمة، وكان يقطنها عام 1868م مائة عائلة مسلمة وأربع عائلات مسيحية ، ويتولى شيخ سوف إعطاء الإذن للسياح الأجانب بزيارة آثار جرش ، ويزودهم بحماية من رجاله .

ومنذ أوائل القرن التاسع عشر استوطن المسيحيون في قرى راجب، سوف، دبين، برما، الجزازه، النبي هود، الكتة، مقبلة، ريمون، ساكب، وعمل هؤلاء بالأعمال الحرفية التي يحتاجها الفلاحون مثل صناعة المحاريث وحذو الخيل، وجميعهم كما تذكر كتب الرحالة إغريق (أرثوذكس)، وأكد الرحالة على العلاقات الحسنة بين المسلمين والمسيحيين في ناحية المعراض، وأكدت مشاهدات الرحالة بيركهاردت في مطلع القرن التاسع عشر وجود عدد كبير من القرى الخربة في ناحية المعراض، وذكر الرحالة القس كلاين (F.A. Kleine) الذي مر بمنطقة جرش في طريقه إلى عجلون عام 1868م بأن هناك عشرين قرية مأهولة، في ناحيتي المعراض وعجلون، وأن فيهما آثار (360) قرية خربة.

واستعادت العديد من القرى عمرانها خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين بسبب خضوع المنطقة للسلطة المركزية، ونجاح الدولة في الحد من اعتداءات القبائل البدوية، بفضل العناصر البشرية من الشراكسة الذين جرى توطينهم في جرش ، حيث سلحتهم الدولة العثمانية بالأسلحة الحديثة، وأنشأت منهم قوات من الجندرمة، وأوكلت لهم مهمات حفظ الأمن والتصدي لغارات القبائل البدوية وقطاع الطرق واللصوص، إضافة إلى الهجرات الداخلية والخارجية، هذا إلى جانب السياسة الجديدة التي انتهجتها الدولة العثمانية خلال مرحلة التنظيمات بتشجيع القبائل البدوية على الاستقرار وتوزيع الأراضي عليهم، تشجيعاً لهم على التحول من حياة التنقل إلى التوطن والاستقرار وممارسة العمل الزراعي.

وكان من نتائج هذه السياسة إعادة إعمار كثير من القرى التي كانت خربة فيما مضى في مقدمتها قرية جرش، وبلغ عدد القرى المأهولة في عام 1328ه/1910م إضافة إلى قرية جرش كلاً من قرى سوف، دبين، الكتة، ريمون، الجزازة، برما، راجب، النبي هود، ساكب، الحسينيات، بليلا، كفر خل، مقبلة، دير الليات، نحلة.
إن أقدم إحصائية متاحة لعدد سكان ناحية جبل ومعراض عام 1289ه/1872م بلغ (493) خانة أي بمعدل (2634) مسلمون، و(324) مسيحيون.