محافظة جرش من عصور ما قبل التاريخ وحتى مجيء الاسكندر المكدوني (حوالي 2.500.000 من الحاضر – 332 قبل الميلاد):
أثبتت الأعمال الميدانية الأثرية أن الإنسان جال في حوض نهر الزرقاء، خاصة في منطقة السخنة ودوقرة قبل أكثر من مليوني ونصف سنة، ويعتقد أن له بقايا تعود للثقافة الناطوفية (حوالي 12.000 – 10.500 سنة من الحاضر) وقد عُثر عليها في منطقة (ثغرة عصفور/المجر). وعثر على دلائل أثرية تدل على استقرار هذا الإنسان وبنائه أكواخًا وبيوتًا يسكن إليها قبل أكثر من عشرة آلاف سنة ،كما هو الحال في موقع "خريسان" بالقرب من جبل المطوق ، وبلدة القنية في محافظة الزرقاء المتصلة مع محافظة جرش، وكذلك في منطقة الكتة بالقرب من "عين العمامة" الواقعة في المنطقة المطلة على نهر الزرقاء.
وأما أهم القرى الزراعية الأولى في محافظة جرش فهي قرية "أبو الصوان" الواقعة على أطراف مدينة جرش الجنوبية الحالية وتعود بتاريخها للفترة بين حوالي 7250 - 5000 قبل الميلاد (تاريخ غير معاير) ونقبت فيها الأستاذة الدكتور ميسون النهار من الجامعة الأردنية. و قد كشفت التنقيبات الأثرية عن بقايا معمارية تشبه في تخطيطها تلك التي عثر عليها في بلاد الأناضول، إضافة إلى معثورات أثرية أخرى متميزة.

صورة لأكواخ/بيوت مرحلة ما قبل الفخار "أ" في موقع خريسان
(بإذن من (J. Ibanez
منظر للبقايا المعمارية النيوليثية في موقع تل أبو الصوان
(بإذن من الأستاذة الدكتورة ميسون النهار)
ذكرت ديانا كيركبرايد أنها سجلت خلال مسوحاتها الأثرية قرية صغيرة تعود للعصر البرونزي المبكر (حوالي 2500 قبل الميلاد) ، بنيت فوق مرتفع شمالي سور المدينة ، إضافة لوجود بقايا دولمنز (أنصاب حجرية) في نفس المكان. وأضافت بأنها لم تعثر على مواقع تعود للعصور البرونزية المتوسطة والأخيرة، والعصور الحديدية داخل أسوار المدينة الأثرية، وعللت السبب في هذا أنها ربما تكون قد دمرت أو طمرت تحت آثار المدينة الرومانية . لكنها لم تستبعد وجود مواقع تعود لهذه العصور في المنطقة المحيطة بمدينة جرش، وهذا ما ثبتت صحته كما نرى أدناه.
وأما المنطقة المحيطة بجرش، فقد كشفت بعثة جامعة اليرموك برئاسة زيدان كفافي في موقع" جبل أبو الثواب" الواقع على الطريق بين صويلح وجرش، وعلى الطريق العام بالقرب من جامعة فيلادلفيا، عن بقايا أثرية تعود أقدمها للفترة المؤرخة بين حوالي 5500 – 5000 قبل الميلاد، وأخرى تعود للعصر البرونزي المبكر (حوالي 3500- 3000 قبل الميلاد ) . وتكونت هذه البقايا من بيوت مبنية من الحجارة الغفل، والأواني الفخارية، والأدوات الصوانية. وتميزت عمارة العصر البرونزي المبكر في الموقع بتنوعها ما بين بيوت مستطيلة الشكل إلى أخرى دائرية لها ساحة أمامية. وللأسف فقد تم تجريف هذا الموقع من أجل توسيع الطريق الواصل بين عمّان وإربد في عام 1990 م.
موقع جبل أبو الثواب قبل توسعة الطريق
ما تبقى من الموقع بعد توسعة الطريق
بيوت من جبل أبو الثواب تعود للعصر البرونزي المبكر (حوالي 3500 – 3000 قبل الميلاد)
كما عثر في محافظة جرش على عدد من حقول الدولمنز (النصب الحجرية) التي تؤرخ عادة للألف الرابع قبل الميلاد. وللأسف فإن البقايا الأثرية التي تؤرخ للفترة الواقعة بين حوالي 3500 – 332 قبل الميلاد جاءت قليلة جداً. ولم يعثر في مدينة جرش نفسها إلّا على القليل من آثار العصر البرونزي المبكر (حوالي 3500 – 2000 قبل الميلاد)، أما آثار العصر البرونزي المتوسط (حوالي 2000 – 1550 قبل الميلاد ) فوجدت في محافظة جرش في موقع "ظهر المدينة" بالقرب من مدينة سوف، حيث كشفت التنقيبات التجريبية في الموقع والتي أجرتها جامعة اليرموك النقاب عن بقايا من العصور البرونزية المتوسطة و الأخيرة والعصر الحديدي والهيللنستي. كما تم العثور على بقايا تعود للعصر البرونزي الأخير (حوالي 1550 -1200 قبل الميلاد) في "قفقفا" حيث عثر على مدفن يشبه بطريقة دفنه داخل جرار فخارية كبيرة تلك التي عثر عليها في موقع تلك السعيدية في الأغوار الوسطى.
مدفن قفقفا (بإذن من الدكتور رافع الحراحشه)
دفن المتوفى داخل جرار فخارية في مدفن قفقفا من العصر البرونزي الأخير
(حوالي 1550 -1200 قبل الميلاد) بإذن من الدكتور رافع الحراحشة
يظهر أن جرش كانت على علاقة طيبة مع الأنباط خلال القرنين الأول والثاني الميلاديين، ويظهر أن أحد الجنود الروم ممن خدم في الجيش النبطي ، قدم تمثالاً للنصر بلغ ثمنه 3000 آلاف دراخما نصب في عهد الامبراطور الرومي "دوميتيان 81- 96م"، كما يدل على ذلك النقش اليوناني على صفحة الجدار تحت الصف الأدنى للمقاعد من الغرب. لكن هذا لا يعني أن المدينة لم تتأثر بالروم، بل على العكس وخلال القرن الأول الميلادي بنيت المدينة حسب تخطيط المدن اليونانية/الرومية، أي شارع رئيسي (Cardo) وحوله الحوانيت، ويتقاطع معه شارعين فرعيين (Documanus) وبوابات (Tetrapylon) كما بني سور المدينة ومعبد زيوس ومعبد ارتميس والمدرج الجنوبي. ومع ازدهار تجارة المدينة في القرن الثاني الميلادي، تم إعادة بناء بعض المعالم المعمارية في المدينة مثل البوابة الشمالية، وبناء الحمّامين الشرقي والغربي ، فوصلت قمة عظمتها في مطلع القرن الثالث الميلادي.
بعد أن أصبحت المسيحية هي الدين الرسمي للدولة، دخل أهل جرش في هذه الديانة، فبنوا الكنائس والكاتدرائية، كما شارك مطرانها في مجمع سلوقيا عام 359 ميلادي ، ومجمع خلقيدونيا عام 451 ميلادي.
ويظهر أن المدينة مرت بظروف صعبة خلال القرن الخامس الميلادي مما أدى إلى هجرانها بشكل تدريجي، ثم تعرضت للغزو الفارسي في القرن السادس الميلادي، وبعد معركة اليرموك في عام 636 ميلادي دخلت تحت الحكم الإسلامي.